* الكمال هو بداية النهاية للإبداع المُتدفق
الوصول للكمال رحلة بشرية لا مناص منها، والتفلت من حبالها للوصول إلى جنة الرضى صراع مستمر يعاني منه الفنانين والكُتاب بشكل مستمر بطريقة مؤلمة قد تؤدي حقاً إلى حبسة الكاتب و الآرت بلوك. وفي أسوأ الأحوال إلى ترك الفن كُلية.
إن الجميع يسعون جاهدين إلى نقل أفكارهم وتصوراتهم من العالم الذهني المتكامل بعناصره إلى العالم الواقعي الذي يتطلب الكثير من التدريبات والتمارين والممارسة. وهذه الرحلة من الفكرة إلى النتيجة قد تُفقد العمل أهم تفاصيله وقد تضيع جوانبه الجمالية. فيصبح عملاً متواضعاً لايثير الإنتباه كما كان في عالم الأفكار الداخلية.
.
.
.
إن السعي للكمال أمر طبيعي جداً، ولاتكاد تجد شخص إلا وسيشكي لك رغبته بالكمال الذي لم يصل له بعد، وفي غالب الأحيان لن يصل له، لأن هذه الحالة النفسية تطلب من الفرد النهاية في عالم لانهاية له، والختام في مجالات لايمكن حقاً إغلاقها. هوكوساي، الفنان الياباني المعروف بلوحته موجة كونوقاوا العظيمة التي أصبحت رمزاً يابانياً بإمتياز كان يسعى دوماً للكمال، ويدعو نفسه بالعجوز المجنون الساعي للكمال، وله مقولة شهيرة تعكس عدم رضاه الداخلي على الرغم من المرحلة الإتقانية التي وصل لها بشهادة فناني العالم شرقهم وغربهم. وحقيقة كونه مُقدراً قبل وبعد موته ليصبح أيقونة اليابان الحديثة :
( لقد تولاني جنون عجيب منذ أن كُنت في السادسة من عمري برسم كُل مايصادفني من الأشياء كائناً ما كان، فلما بلغت الخمسين كُنت قد نشرتُ عدداً من آثاري التي لم أطمئن لأي منها إطمئناناً تاماً.ولم يبدأ عملي الحق إلا حين بلغتُ السبعين، وهاأنذا الآن في الخامسة والسبعين، وقد استيقظ في نفسي حُب الطبيعة بمعناها الصحيح، وآمل أن أظفر عن الثمانين بقوة من إدراك البصيرة يظل ينمو معي حتى التسعين.فإذا مابلغتُ المائة كان لي أن أقرر بثقة أن إدراك بصيرتي أصبح إدراكاً فنياً خالصاً، ولو وهبتني الآلهة أن أعيش حتى العاشرة بعد المئة كان رجائي عندئذ أن يشع من كُل خط أُسطره بل من كُل نقطة أخطها حياة تُبث فيها “ثم وقعها بهذه الجملة الطريفة(كتبها هوكوساي في الخامسة والسبعين من عمري، أنا الرجل الكهل الذي جُن بتصوير الطبيعة )

كيف لنا كفنانين في منتصف مسيرتنا الفنية أن تقفز من على وهم رغبة الكمال المُعطلة لإنتاجنا لنصل حقاً إلى الرضى بأعمالنا وتقديرها كما هي؟ لُنحبها عندما تقفز وليدة بين الأفكار ولنقدر إنحنائاتها بعد أن تنضج وتعيش التحول من الأثير إلى المادة؟
بداية، نستطيع تقسيم تعلمنا وإنتاجنا عبر نظرية “مُنحنى التعلم” التي تقترح بأن مستوى المتعة والنتيجة والوقت المستغرق أثناء العمل يختلفون بإختلاف المعطيات: فالبدايات دائماً مبهرة وصعبة، بينما مرحلة الوصول إلى الإجادة مُملة وقد تعاني خلالها من مرحلة الإنطفاء حيث تقفز عليك هجمات الركود الفني أو هوس الكمال التام لأنك بدأت تفقد عنصر الإكتشاف والدهشة مقارنة ببداية مراحل التعلم.
ولنستطيع محاربة هذه الفيروسات الإبداعية الشرسة، فإن هنالك عدة نقاط تفيد حقاً في جعل العملية الإبداعية غير مرعبة ولا مريعة كما قد تشعر بها عند الدخول في مشروع طويل الأمد لتجد السيد كمال المزعج يتوقف في منتصفه بتجهم محاولاً ثنيك عن التحرك للأمام لأنك مازلت مبتدئاً وغبيا ً ومهاراتك ناقصة بكل تأكيد !
١٠ خطوات لمحاربة الفيروسات الإبداعية والسيد كمال المزعج :
طالما لم تبدأ بعد، فأنت لم تنجح ولم تفشل بكل تأكيد:
وجود الفكرة لايعني بأنها ” ممتازه” فقط. عليك أن تنقلها إلى عالم الواقع وتعمل عليها لتستطيع تقييمها بشكل حقيقي وملموس. غالباً الأفكار التي ترفض نقلها إلى الواقع ينتهي بها أن تكون أسيرة أثير الأفكار دون أن يُسمح لها بالمرور. قد تفقد كثير من الأفكار رونقها بعد العمل عليها، لكن هذا لايعني أنه لايمكن إكتشاف جوانب أخرى مثرية ومذهلة فيها، وقد تجد نفسك تعمل على فكرة جانبية استلهمتها من فكرتك الأساسية الأولى التي لم تنجح.
أنت بشر، فأنت تُخطئ وتنسى، لاتلم نفسك :
الأخطاء طبيعية، في الحقيقة إنها مرحلة أساسية للتعلم والتطور. لاتُحمل نفسك الكثير من اللوم والتقريع بسبب عدم إتقانك لتكوين فكرتك بشكل ملائم لما تريده. ولا تحكم على قدرتك وعملك بسبب هذا الخطأ فقط. كُلنا نعلم أن العملية الإبداعية طويلة ومرهقة، نفسياً وجسدياً كذلك: لاتنزعج من خطأ أو اثنين، غالباً هما علامة لك لأن تأخذ فترة راحة ترتب فيها أفكارك وتبتعد عن التفاصيل قليلاً لتستطيع رؤية مشروعك بشكل أكثر وضوحاً.
قسم مهامك إلى مراحل مختلفه وواضحة :
إن وجود التخطيط الجيد والذي يأخذ بعين الإعتبار ظروفك الشخصية الخاصة ويقسمها بطريقة تسمح لك بالراحة وفي نفس الوقت إنجاز العمل بشكل مرضي. يساعد بشكل كبير على إنهاء المشاريع دون المرور بمرحلة ( أريده كاملاً، لا أستطيع فعلها، سأتوقف أفضل).
أعط نفسك وقت للراحة بين كل مرحلة وأخرى :
الراحة أساسية بقدر العمل إن لم يكن بشكل أكبر! فأنت خلال الراحة تسمح لعقلك أن يجمع المعطيات ويرتبها ويخزنها بشكل جيد وصحيح، كذلك تسمح لنفسك أن تبتعد عن الغرق بالتفاصيل التي غالباً ستمنعك من المقدرة على إنجاز الأهداف كما تُريدها.
لاتركز بالتفاصيل الدقيقة، تذكر اللوحة وعناصرها كامله في التقييم:
هذه المرحلة من الغرق في التفاصيل هي نوع من أنواع ” التأجيل” المبطنة بالعمل، فأنت تُجهد نفسك في تفاصيل لا معنى لها وتغرق حقاً فيها دون أن تنتبه أن النتيجة النهائية والتعلم منها هو الأهم حقاً. فعند تخطيط أي مشروع يجب وضع أساسيات للجودة وخطوط أساسية للعمل عليها من ناحية الإتقان: يجب العمل عليها لا الغرق فيها أو تجاهلها تماماً.
إن إيجاد التوازن بين التفاصيل و الإنتهاء السريع أمر يقلق المبدعين في كُل مكان. لكنها رحلة تستحق التعب بكل تأكيد، فخلالها ستستطيع أن تقيم نفسك وأن تقرر متى تحتاج أن تبتعد عن المشروع لرؤيته من بعد.
لاتقارن نفسك بالآخرين :
إن المقارنة قاتل صامت، وكثير ماتجد تحذيراً من أن تقارن رحلتك بنتيجة آخرين، فكُل شخص له رحلة إبداعية مختلفة تماماً عن الآخرين. أنت برحلتك الخاصة وبخبرتك الخاصة وتجاربك المميزة تشق طريقك الإبداعي الخاص بك. هذا أيضاً مايفعله المبدع الآخر ذا الأعمال الفنية المُبهرة، الفرق أنه قد يكون قد بدأ قبلك بعدة سنوات، أو حصل على تعليم خاص، أو له خبرة فنيه سابقة ساعدته بشكل كبير. إن المقارنة تفتح باب المشاعر السوداء والسلبية، بينما ملاحظة الآخرين والتعلم منهم قد يساعد حقاً في تكون مجتمع ودود يساعد على العمل الإبداعي مثل مجتمع آيرونكس.
انشر عملك في مجتمعات محفزة وإيجابية :
إن إيجاد أشخاص إيجابين ويقدرون العمل الإبداعي الذي تقوم به يساعد بشكل كبير على تقدري جُهدك وتقييمه بشكل مرضي. تتوفر في الإنترنت مجتمعات مُخصصة مثل مجتمع آيرونكس ومجتمع لمبه وغيرهما. هذه المجتمعات تساعد في نشر الأعمال وتقييمها بشكل جيد وإحترافي. كما أن التواصل مع المبدعين عبر منصات التواصل الإجتماعي وتكوين الصداقات مهم جداً كذلك.
تعلم من أخطائك :
للأخطاء وظيفة مُزعجة وهي أن تُعلمك بكل الطرق التي عليك تجنبها عند تفنيذ مشروعك. الإستماع لها يساعدك بشكل كبير معرفة أين تضع قدمك عند العمل في مشروع مقارب من جديد. لكن تجاهلها ” وغالباً الصراع معها ” سيؤدي إلى الكثير من الغضب والشعور بالإستياء.
تعلم تحليل النقد المعطى لك :
ليس كُل نقد جيد، هذه هي القاعدة الأساسية عند الإستماع لآراء الآخرين عن عملك الفني الإبداعي. بالتأكيد إن التقييم والنقد أمران مهماً لتفادي الأخطاء وتصحيحها، لكن الإعتماد المفرط على نقد الآخرين لكل خطوة تخطوها قد يساهم في محو لمساتك الشخصية المميزة لك. حاول أن تقيم كل نقد يصلك ومعرفة ما إذا كان يخدم الهدف الذي ترغب بالوصول إليه لتنفيذه أم لا.
كافئ نفسك بعد كل مرحلة :
الهدايا تعني الكثير! حتى لو كانت منك وإليك! أعط نفسك الكثير من المحفزات الإيجابية : لتكن ساعة نوم إضافية، أو مسلسل جديد، أو حتى رصيد إضافي لشراء مارغبت به من قبل!
إن مكافئة النفس يساعد بشكل كبير تحمل المصاعب التي تأتي بشكل طبيعي مع المشاريع الإبداعية.

في قسم ” المدونة” ستحرص آيرونكس على نشر مقالات تعليمية ونقدية متعددة في مجال الكوميكس والفن البصري والمكتوب، كما أننا نستقبل المقالات الجادة التي يكتبها أصدقاءنا بكل سعادة عبر البريد الإلكتروني التالي
خُذ راحتك هُنا، فأعمالك بين اصدقاء مُحبين، ونُقاد مُحترفين
مشاركتك دعم لبناء هذا المجتمع سواء بإرسال اعمالك المقالية #wrtonix او الإشتراك بقناتنا على اليوتيوب #artonix

شكرا ع المقال الرائع احببت كل سطر فيه
نصائح في قمة الروعه والأهمية 👍💞
مقال مفيد يعطيكم العافية 💙
حبيت أكثر شي نقطة تحليل النقد فعلا مو كل نقد لازم يؤخذ ولازم ننظر فيه أولا
شكرا للمقال أنتظر التدوينة القادمة 💙
الحمد لله الخطوات المذكورة للتخلص من الفيروسات كلها عندي مشكورين على المقال
يعطيكم العافيه جدا مقاله ملهمه و مفيده للغاية.
اتمنى تتكلمو مستقبلا عن الخطوات الصحيحه لكتابه حوارات و رسم المانجا o~o